samedi 25 juin 2011

هل كلمة حرية تهمة؟

رددنا على مدى سنين طوال شعارات الحزب القائد للدولة والمجتمع من وحدة وحرية واشتراكية، وشهدنا خلالها سقوط فكرة الوحدة وكل ما تجره من أحلام في إعادة أمجاد الأمة العربية وضاعت في طياتها فلسطين وأجزاء من الأراضي العربية، ومن ثم سقطت فكرة الإشتراكية التي غرر المجتمع بها على مدى العقود الماضية واتجهنا إلى الاقتصاد المفتوح في العقد الأخير على يد أباطرة الدولة السورية فأثمرت فشلهم في قيادة الدولة وفي تحسين حال المواطن وكرست فكرة الطبقية ونزعت عن المجتمع السوري صفة الطبقة الوسطى ليتحول إلى طبقتين مسيطرتين، الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة أو المسحوقة، فلم يتبق لنا سوى مثوانا الأخير وحلمنا الباقي في الحرية التي تخلا عنها النظام ومحاها من قاموس حزبه وشعاراته وأضافها على قائمة الجنائيات في دستور الفساد والظلم، فصار كل من ينطق بها متهم بكفره بالنظام.
من هنا نشأت فكرة الكتابة على عملتنا الورقية شعار لا يتعدى أن يكون شعاراً من شعارات الحزب لكي نذكرهم به بعد أن نسوه منذ زمن وأن نحرر أنفسنا من عقدة عدم المشاركة في الحراك الشعبي الذي يدفع ثمنه الكثير منا دماً لو سفك في سبيل القدس وفلسطين لحررها دونما هوادة، وأن نكتب على صكوك مالنا شعار نحيا ونموت لأجله بدل من تلك الصور التي لا ننتمي لها ولا يحفظها التاريخ بل يلفظها بعد رحيل النظام، بها نستطيع القول أن هذا المال مر على يد حر وأن ما يدفع في كرنفالات الولاء ليس بمال نظيف بل هو مال الشعب السوري كله لا بل هو مال مر على يد حمزة الخطيب وأكثر من 1500 شهيد كانوا يوما يرفضون تكرار الهوان، بها نستطيع القول أن كلمة حرية على ورقة مالية يرفع من قدر هذه الورقة إلى ما لا يقدر بثمن، فما لكم سوى أن تتخيلو الرعب في قلوب رجال الأمن والمخابرات والمسؤولين والشبيحة وهم يقبضون رواتبهم فيروا أن كل ورقة تحمل كلمة حرية من اعتقلوهم ومن قتلوهم ومن جاروا عليهم جور ظالم طغى وتجبر، كيف ستندس هذه الكلمة في جيب كل واحد منهم وتشارك في شراء الحليب لأطفالهم والقوت لأولادهم، كيف ستندس في فراشهم وتعطى لزوجاتهم، كيف ستندس في البنوك الخاصة في صفقات السلاح في فواتير الهاتف والكهرباء والماء، كيف ستكون راتب الجندي والموظف والأستاذ والمحامي والمهندس، كيف ستكون كلمة حرية في جيب كل من يملك المال غصة من من لم يملكه، كيف ستكون رسالة بين حر وحر، كيف سينكث عينيه من كان ضد هذه الكلمة وهو يمد يده الحاملة لها ليدفع ثمن فنجان قهوة صباحية ويشعل خيط دخان يمتد إلى السماء.
ولكن كثيراً منكم يخشون لومة لائم إذا ما قبض على أحد ما بدون علمه لمجرد حياذته على تلك العملة المنقوش عليها عز سوريا التي انتفضت لأجله، أو أن يقبض عليكم أنتم المؤمنين بها، وأنا أقول لكم أن المخبيرين ليسوا بصاحين لهذه الأمور فهناك ما أعظم منها يجول في خوفهم، وإن امتدت أيديهم على من لا ذنب له فهو ليس بغريب عليهم لكثرة ظلمهم وإن لم يكن لحياذته فكرة فقد يقبض لحياذته مبدأ أو قلم أو كلمة، تعددت أسباب الظلم ولن تكون هذه التهمة إلا إضافة على قائمة التهم التي لا مبرر لها ولن يجدوا قانونا يزيد لهم عدد المعتقلين بتهمة حرية.
حان الوقت أن نصوغ على عملتنا نحن ما ننتمي له وما نتبناه وما ندافع عنه وما يدفع ثمنه الكثير منا أغلا ما يملكونه، أن نستعيد ما سرقوه عبر سنين طوال، أن نعلم القدر أن يكون معنا لا علينا، أن نعلم المستقبل أن ما سيكتب على ما نمتلكه سيكون صياغة من أيدنا لا رموزا تطغى علينا، أن نقول ما قال المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم              فلا تقنع بما دون النجـوم
فطعم الموت في أمر حقيـر             كطعم الموت في أمر عظيم
    

lundi 30 mai 2011

مقالة الفنانة مي سكاف لأنها أكثر من رائعة

هناك ظاهرتين تنتشران  في شوارع دمشق في الآونة الأخيرة.. تلفتان الانتباه .. أود أن أتحدث عنهما … الأولى استغلال اللافتات الإعلانية ..لغير هدفها التجاري  ..  وتحويلها لمنابر إعلانية سياسية لا تمت للشفافية بصلة  وكم كنت آمل  أن تحمل خطابا جديدا حداثيا مدنيا  ولكنها للأسف لا تحمل إلا أفكارا رجعية ..إن تأملنا بها نكتشف إلى أي مدى تستخف بالمنطق الطبيعي لديناميكية الحياة . .طبعا لاأنفي أنها قد تكون بادرة نفعية  من مالكي هذه الإعلانات لولا علمي أنها تتطلب موافقة من المؤسسة العربية للإعلان الجهة المسؤولة  وهو ما ينفي الفردانية بنشرها.
 
الاستقرار هو سر مناعة سوريا
 
. أجل الاستقرار سر مناعة سوريا..  أجل الاستقرار هو سر مناعة أي فعل بناء ..    ولكن ما هو مفهوم الاستقرار في ظل ما عاشته بعض مدننا ومناطقنا . ..وعن أي استقرار نتحدث  والاضطرابات موجودة في مدننا وقرانا ومناطقنا .. نعيشها ليلا على وسائل اتصالات مغرضة ولم لا نراها على وسيلة اتصالاتنا .. لا تحجبوا الشمس .. فهي الحياة … ما يجري يصل إلينا بوسائل بدائية  ..
 
عن أي استقرار نتحدث وهناك دماء سورية تنزف .. واعتقالات لشباب يحاولون أن ينقلوا وجهة نظرهم ويمارسون حقا من حقوق الإنسان الحر … عزل إلا من رأي معارض .. وهناك أفرادا عسكريين من شعبنا الحر يستشهد …
 
…  الذي يلح علي وعلى الكثير من السوريين .. نحن السوريون .. فئة من السوريين  باختلاف انتماءاتنا الإيديولوجية والفكرية والثقافية والدينية ؟  الراكضين .. اللاهثين وراء لقمة العيش  وراء مسكن ومأكل .. هل تتلخص حياتنا هنا.. الواضح أن لا شيئ يستبدل بشيئ  .. من نحن السوريين ..  .. ماذا عن مجتمع يضمنا كلنا نحن السوريين  .. ويحتوينا كلنا .. نمارس فيه ذواتنا واختلافاتنا تحت ظل قانون يتسع لنا .. جميعنا ..  وسع حيواتنا … أسئلة وجودية ديالكتيكية …تلغي السكون .. لأنه الموت …والثبات .. لأنه الجمود .. لن أكون نقيضة الحياة  ..مهما كنت خطاءة .. لقد  كادت بلدنا أن تعيش حربا أهلية … أطفأتها نيران واهية .. والاستقرار هنا كارثة من كوارث تاريخنا المعاصر  إن لم يكن نتيجة لحراك بناء وواعي .تمسك بيده القيادة السياسية ومن بعدها القيادة الجماهيرية ..
 
التاريخ يطلب منا حراكا لا استقرارا مهذبا .. مرحليا وكاذبا ..فرضته  قوة..التفعيل  السياسي الواعي والقانوني  هو المطلب الوطني  لكلنا .. لنحن السوريين .. المختلفين على حب الوطن .. وما أحلاه من خلاف لو استطاعوا إليه سبيلا …وهنا يجب أن أقول أن حراك القيادة الشعبية كان موجعا وشرسا لأنه كان تخويني … آه من ثقافة التخوين .. لو كنت سلطة لخونت التخوين … ثقافة  عمياء .. متوترة وموتورة , وقد جلبت الدم …  أيعقل أن هذا الوطن لا يتسع لنا .. كلنا .. نحن .. وارثو الحضارة ..  … دم السوريين غال … رخص الدم …لأن الحراك ما كان متكافئا … لا قانونيا … أليس الأجدى بنا أن نرفض السكون ونبدله بحراك وطني نساهم فيه جميعا
 
..هل المطلوب من العبارة أن ترجع البلد إلى ما كانت عليه من هدوء وسكينة وكفى المؤمنين شر القتال …ألا تتطلب الأحداث التي جرت وقفة نقدية مع الذات ومع المجتمع من القيادة والقيادة الشعبية ؟؟ و مني ومنا …على خلافنا واختلافنا
 
الحراك الوحيد الذي نتج عن التعنت في عدم الحراك هو حراك تحريضي ضد كل اختلاف … أعمى .. تخويني .. وشرس أعتذر من صدق اللغة .. وجلب الدم .. الغالي   اللافتة الثانية التي سأتوقف عندها هي عبارة
 
الإصلاح طريق واحد يقوده بشار
 
أوافق ولكن بناء على فسح مجال آخر لمفهوم وطني هو مفهوم المعارضة .. المعارضة هي فعل وطني … يجب أن تتفهم القيادة هذا المفهوم وترفعه من تحت الأرض إلى بقعة الضوء .. الشمس طهر والعتمة عفن … أنا أختلف مع الدين … ولكني لا ألغيه .. لا أستطيع إلغاءه .. إنه موجود .. شئت أنا أم أبيت … الحياة تعددية وتنوع …
 
.والظاهرة الثانية هي صور سيادة الرئيس  التي رجعت إلى المدينة وإلى واجهات السيارات ..  .. وضع الصور هو فعل تخويفي للجيران في الحي  وللشرطي في الشارع  ولل.. أبناء بلدي .. لماذا لا نرى هذه الظاهرة في البلاد الأخرى ..
 
ولكن أي ترهات أقول بعد الدم ……
 
وتأملت … بشكل و بطبيعة هذا الإعلانات السياسية .. و طبعا ناهيك عن صور السيد الرئيس الملصقة على عدد كبير من السيارات .. والتي أصدر  تعليماته بشأن رفعها فترة من الزمن … ! ورجعت الآن بسبب الاضرابات التي حدثت .. والتي عبرت  عن معارضتي لها في لقاء جرى بينه وبين مجموعة من الفنانين قبل أن يتسلم قيادة البلد … قلت وقتها .. لا أرى في هذه الصور محبة .. وإنما أرى فيها تخويفاً للآخر …من يحب يرقى … من يحب لا يبتذل حبه بوضعه أينما كان ..  من يحب تكفيه دقات قلبه ……يحتفظ بسره الكبير في ثنايا القلب .. لا على السطوح ..وقتها قلت لسيادته ..  لا أراه إلا تخويفا وشكلا من أشكال إرهاب الفرد للفرد ..  أنا أحب أبي رحمه الله ( حرفيا )… لم لم يخطر ببالي أبدا أن أضع صورته على زجاج سيارتي …وفي مكتبي وأمام مدخل بنايتي …
 
 
المهم .. بعد عدة شهور عندما صدر قرار برفع الصور من السيارات ومن المؤسسات العامة ..( وبقيت صور مؤطرة ولائقة  وفقط في المكاتب الحكومية  ) شعرت بغبطة سرية … شعرت أن هذا الرجل سمعني حقا .. أحسست بكياني .. وبمواطنيتي .. شكرته سرا .. ومضت الأيام … سنوات كثيرة جدا .. والآن … والدم نازف .. والقلوب تئن .. والصور رجعت إلى زجاجات السيارات  … اليوم وبعد خمسة عشر عاما … و أنا أتجول  في شوارع دمشق …  قلت في نفسي يبدو أن في سوريا فقط ..الزمن .. لا يسير إلى الأمام .. بل يرجع إلى الوراء  … واليوم وبعد خمسة عشر عاماً …
 
لا بديل عن إجراء إصلاح سياسي حقيقي … المعارضة فعل وطني … الديمقراطية السياسية لاتقل أهمية عن الديمقراطية الاجتماعية التي ينعم بها هذا الوطن السوري .. أجل سوريا وطن .. لكل أبناءه .. حر وحر وحر .. افتحوا له الأبواب .. قانونيا .. ومسلكيا … وافقوا على حزب للمعارضة .. بل أحزاب للمعارضة … فبكل مدينة إثنية واعتقاد ..وبكل شارع رأي ورأي  .. افخروا أنتم بسوريتكم   ولكن دعوا السوريين يفخرون بسوريتهم كما يحلمون  … الحياة اختلاف والاستقرار موت .. ارفعوا الشعارات التي تنادي بالموت لسوريتي …  ودعونا كلنا نفخر بسوريتنا  … إنها سوريا العظيمة  … سوريا ليست سوريا الأسد … الأسد مواطن سوري عظيم .. لا تفقدني عظمتي يا سيدي .. لا تفقد السوريين .. كل السوريين .. أكرادا وآشوريين .. مسلمين ومسيحيين وكفار .. أكرادا وشراكس .. يساريين ويمينيين .. لاتفقد سوريتنا عظمتها .. كي نبني سوريا . واحدة وحرة واشتراكية ..
 
 
ولكن ماذا أقول وقد سال دم
 
 
مي سكاف
 
مواطنة سورية معارضة

dimanche 29 mai 2011

تنبيه

 لا تلوموني إن قتل ابنكم يوما ولم أدمع عليه، فأنتم بررتم للجلاد ولم تدمعوا عندما قتل ابني حمزة

vendredi 27 mai 2011

يغيب نهار ويجيء نهار وتبقى يا وطني صلاة استذكار

أين أنت يا وطني، أين روح العروبة في دمي، أين رياح الحب الدمشقية التي تكلل أسماء القادة الكبرى، أين صلاح دين من ضراوة الألم، أين أنت من عبق البحر المخملي الراقد في الأمد. لا لم أعد أراك يا وطني على يد أم تنحني مقبلة جبهة الأمل، لا ولا في حنين مغترب عن الجوع قارب روجوعه العدم، لا ولا في دمعة المطر على أرض تزهر بغير بلد، لا ولا في طيبة الشيخ الراسخ رسوخ النجمة في علمي.
أين أنت يا وطني، كيف اختطفك الطاغوت واختفى، كيف رسمك من جديد من هو لا يعلم قيمة العلم، يقص قرى من حدودك كما يقص أظفاره الهرم، ينسى خصوبتك في حوران وكيف تستقى الأرض، يبتدع الطريقة المثلى من الري، فينبتك ثورة تتموضع وسام شرف على صدر كل من من ظلمه مدد، وينساق العشاق على الملل ويصير قلبهم قبلهم مركباً جديداً من الحلم باليوم الذي لا يخافوا فيه من الخفر، ولا تمتد فيه يد من قانون على العرض والشرف، ولا يبكي الفرات به على الأرض المخصية من القمح، ويقف الشاب فيه عالي كالرمحِ، رأسه السماء، كتفاه الشهباء ودمشق، عيناه حوران والقدس، أظافره الحق لا تغرس إلا في الظلمِ والفقرِ، أنامله تصنع لنا غداً مشرقاً لا يمسِ، شفاهه الورد الباقي على قبر كل شهيد مال على الرصاص خائفاً أن تقتل الحلم، فاستقبلها استقبال الأبطال في تاريخنا قائلا أين أنت يا وطني.
تراقصُ القتلى هنا عادةٌ، تستجد حين ينبت الحنين في الصدور إلى الوطن، ينظر الطفل يمنة ويسرة ولا يرى وطناً، يمد يده في حتمية العتمة فلا يلامس سوى قبوراً، يجر المستقبل صندوقاً يصعد عليه ليفتح النافذة، فلا ينسل منها إلا نور من ظلام، فيسأل أين أنا، لما ليس لي وطن، ولما اليوم يشبه الغد، لما التاريخ قبورٌ والبطولة قبورٌ في هذه الأرض، وأين قبر جدي الشهيد، فيرتفع صدى الصوت لله ولا من منجيب.  
لحن الرصاص فيك يا وطني سرير يرقد عليه المظلوم مغمض عنياه على الحلم، يشوبه كل مساء قرع الأبواب باليد الخشنى وأصوات النشاذ السارقة لكل أمل، القائلة بصوت أجش:
-       من أنت؟
-       أنا، أنا الوطن
-       الوطن له شارب يهتز له العدم؟
-       وطني، حنون ساعة الأمل، قوي ساعة الغضب، فاحذاري من أملي ومن غضبي
-       لكن الوطن لا يحلم، وما من أفشى أسرارك سوى الحلم؟
-       الوطن كل الأسماء، لا تغب بل تغيب، ولكل اسم حلم يقاس بالفرح والترح.
-       ما من فرح في الأسواق ها هنا، أنت من دس الكلمات في الظُلَمِ؟
-       أنا الوطن لا أستل الكلمات بل أكسر الأقلام التي ترسمني من غير ناس ومن غير علمي
-       أنت الدخيل على الأصوات، أنت المقتول من زمن؟
-       أنا الشجر، أنا الأرض، أنا العصفور يبني عشه على القمر، أنا العاشق السارق لقبلة من العمر، أنا الورد، أنا الحب، أنا الطفل المدمع، أنا الشيخ الوجل، ومن كان وطنا يا ولدي لا يقتل يوما على يد ظالم طال به الأمد، بل يولد كالشمس على الجباه والأيادي على الأرامل والثكالى والشباب واليتامى والألم، أولد مع ولادة كل طفل جديد، مع إشراقة الحب، مع الحنين، مع عبق الخيال المسار للمحال، مع الغياب مع الوجود مع الجبال.
-       طال المقام فيك يا وطن، طال فيك الأمل، وحان وقت الرحيل، ستستحال أبدا، وتخاف السياط، سترقص في الأقبية رقصة العازبات، وتأن أنين الخيال، وتساق للذبح مجددا، ولن يسمع عنك أحد، سترقد في الرقاد، وتكاد تحاكي الرماد.
-       خذني أينما شاء القدر، عذبني عذاب كل شهيد، أبكني دمع كل أم لها ابن فقيد، شذب أظافري تشذيب كل عضو مجلس للشعب لا يريد، حطم، هشم، دمر، اسحق ما تريد من عظام، لكن اعلم أن الوطن لا يموت والغد لا يموت والفرح لا يموت، وأن ما من  مستحيل أو محال، وأن الخيال وجد ليحاكي الحياة، وأن الغياب لا يرقد فيه سوى الطغيان ومهما طال فيه المقام لا بد أن ينجلي أو يقام.

27-05-2011

jeudi 19 mai 2011

صناعة الآلهة

تمر سوريا في أزمة منذ شهرين وأكثر يُدفع ثمنها دماء غالية من الشعب السوري من جيش وأمن ومتظاهرين سلميين  في أطراف متفرقة من الوطن.
 بين المتظاهرين والأمن يوجد الشعب المزهول بالصدمة التاريخية، الناجمة من حالة الرفض الناطق، وأخص بهذه الصدمة الشباب المتعايش مع حالة الخوف والمتأقلم معها إلى حد اعتبارها جزء لا يتجزء من طبيعته الوطنية، فهذا الشباب مثلاً لم يشهد أحداث الأخوان وإنما سمع بها لكنه عاش حياته في هذا الشبح مردداً شعارات بالمدارس لا يدرك معناها مثل (التصدي للامبريالية والرجعية والصهيونية وعصابة الإخوان عميلا) وحالة اللاتغيير السياسي وليس الاستقرار التي تربى عليها وخوفه المطلق من التحدث بالمحظورات (القائد، والنظام، والسياسة) سببا حالة من الثابت في المجتمع السوري الذي أدى بالتالي إلى فقدان روح العمل الجماعي والفكر الجماعي والانخراط بالمنجزات الفردية وتحليل استغلال المناصب والعلاقات الشخصية وتفضيلها على مصلحة الوطن، وانساق تحت حتميات دمرت الشباب على كافة الأصعدة وأهمها الصعيد الفكري والقانوني، فشب  على مخلّفات الحقبة الفكرية والسياسية التي كانت سارية المفعول حتى السبعينيات، وما آلت إليه الأمور من تدهور في القضاء والتعليم وإلغاء الآخر و جعل الحزب الأوحد القائد للدولة والمجتمع وعلى فكرة صناعة الآلهة، دون العلم أن ما يعيشون في ظله لا يمت بأي صلة لروح العصر ولا يرقى إلى مستوى الدولة.
كيف صنعت هذه الأنظمة هذه الآلهة التي سيظل لها موريدون وأتباع حتى بعد فنائها ودخولها مقبرة التاريخ، كيف وجد إنسان برتبة إله وكيف صار كل ما ينطقه حقا وما ينطقه غيره (حتى لو كان نفس الكلام) كفرا.
في ظل هذه الأنظمة القمعية لا يمكن لجيل الآباء إلا الابتعاد عن السياسة والفكر والانخراط في الهموم اليومية والامنتاع حتى عن تنبيه الأبناء بعيوب النظام السائد مما فسح المجال أمام الأنظمة الناشئة لصناعة دين جديد يقوم على مبدأ الرئيس الإله الأوحد الذي لا يخطئ وإن أخطأ فهو على صواب. صناعة هكذا دين لا يمكن أن يتم إلا عن طريق التعليم في كافة مراحله ومنع الفكر والتفكير بأي فكر آخر كالفكر الشيوعي أو الليبرالي أو ما شاكل، وتجهيل المجتمع بشكل منهجي على كافة الأصعدة لكي يستطيع الحزب الاستمرار في السلطة، ولا تظهر آثار هكذا أعمال إلا في الأجيال الجديدة التي لم تعاصر نشوء السلطة وبالتالي لم تشهد مرحلة ما قبل وما بعد النشوء، ومن هنا نشأ جيلنا جيل الطلائع وشبيبة البعث، وشب على فكرة القائد الخالد وأقوال الرئيس التي تعامل على أنها أعظم أو بمستوى الآيات القرآنية أو الإنجيلية، ولم يتح له الاطلاع على باقي الأفكار أو حتى الاختيار بينها، وزرع فينا عقدة الخوف حسب نظرية القرود والموز(1) ، نخاف المخابرات مع أنها لم تتعرض لنا من قبل بل سمعنا مجرد السماع عن انجازاتها في انطاق الحمار وجعله يطير، وزاد على ذلك فكرة عدم احترام القوانين التي أصبحت من المسلمات في الحياة اليومية للشعب السوري (لا بل أقيمت مؤسسات كاملة على هذه الفكرة ومن بينها مؤسسة أو شركة شرطة المرور)، وورثنا الموروث الأعظم للأمة ألا وهو المؤامرة الدائمة ونهج التخوين، وهو ما يشبه تماما التكفير في الأديان، فكل من يشذ ولو لفظيا عن الأفكار التي تحشى في المدارس والصحف والتلفزيونات التابعة للنظام يخوَّن ويصبح عميلاً صهيونياً أو امبريالياً أو على أقل تقدير أخوان ملسمين (حتى لو كان مسيحيا)، وصار الشاب منا بعثيا (بمفهومه الديني أي أن البعث هو الكتاب المقدس والقائد هو الإله) بالفطرة أو بالوراثة كما يعتبر أنه مسلم أو مسيحي لأنه ولد مسيحيا أو مسلما دون أن يناقش أو يستفسر أو يقرر أن يكون هكذا، وحرمنا من حق المواطنة و جردنا تماما من فكرة المواطنة، فجاءت الصدمة وولد الصراع.
الصدمة تكمن بقدرة هز وضعضعة موروثك الثقافي أو شتم آلهتك، لا بل بالدعوة إلى إسقاط الآلهة، هنا ذهل القسم الأوفر من الشباب السوري، من الأجيال التي تربت على تقبيل يد الخالق والهتف والشكر له، ونشأ الصراع بين الشاب والشاب نفسه على قدرة استيعاب أن حفنة من الشعب السوري قادرة على خرق حاجز الصمت والصرخ بأعلى الصوت بإسقاط النظام، فما كان منه إلا أن يقيس على نفسه، وخرج  بنظرية أنه من المستحيل أن يكون أحد سوري ويطالب بمثل هذه المطالب فنادى بأعلى الصوت أن من ينطق بمثل هذه الجمل ليس بسوري وعاد إلى كتاب القومية الذي حفظه على مدى 22 سنة وردد منه منجزات الأبد الخالد وضاف عليه من كتاب حياته ممانعة الابن الراشد واعاد اكتشاف نظرية التخوين والمؤامرة العالمية على الشعوب العربية.
 ومثل هكذا صراع وهكذا صدمة ينشأ عندما يقول لك قائل على غير ميعاد أن الله محض أساطير، والديانات كانت دساتير المجتمعات لكي يتم ضبطها ونحن الآن لم نعد بحاجة إليها لأننا صنعنا قوانين أفضل منها فلم يعد لها ضرورة للوجود. هكذا أسئلة تولد دائما عند أي شخص لم يطرح على نفسه سؤال الوجود صراع لكي يبرهن أنه على حق وهو غالبا ما يكون على باطل لأنه يفتقد للطريقة الديكارتيه(2) في الإجابة أي التجرد من الأفكار المسبقة وطرح الموضوع وإثباته بحيادية، لأنه يكون متبني لطرف ما قبل طرحه بالإضافة لفقدانه لقدرة النقض الذاتي أو الموضوعي لموروثه.
 ومكمن الصراع هو بين الإبقاء على الوضع الراهن وبين التغيير. ومفهوم التغيير صعب جدا على مجتمع حرم احترام القانون وغيبت الدولة  فيه وألغي حق المواطنة وغلب عليه قانون الغاب لأربعة عقود ونيف من الزمن. وانضمام الشباب لا إراديا إلى معسكر التخوين والمؤامرة الكبرى وإلى تصديق قناوات ما كان يعرّجع عليها مطلقا، لا بل تقديسها وتصديق كذبها حتى بعد أن يعترف النظام أن ما صرحت به تلك هذه القنوات كذبا(3) يبدو مبرراً، لكن الميل إلى أن يصبح الشباب ما أدعوه سلفياً سلطوياً أو سلفياً بعثياً، أي أن يصبح من أنصار تحليل الدم وقتل الآخرين لمجرد أنهم يرفعون شعارات غير التي اعتاد سماعها، وافتقاده للحس الإنساني الذي يحرم قتل الروح لمجرد اختلافها بالرأي أو تخوينها لأنها نطقت بغير لسانه، غير مبرر أبداً.
 فالصراع الفكري الحالي على هذه القواعد بين شباب يعقلون ويفكرون بأنهم بحاجة للتغيير والكف عن الثوابت التي بالت، وبين الشباب الذين تشربوا صناعة الآلهة على مدى 48 سنة الفائتة، هو الصراع الحقيقي في سوريا، فلو كان كل الشباب السوري مدركون ضرورة التغيير لما صمد النظام مطلقاً. وعلى الشباب السوري، جلينا من الشباب، أن يعي أنه جُّهِلَ قصداً ولقن قصراً على مدى العقود الماضية أفكار بالية لم يعد لها وجود وصارت تحمل عنوان ما قبل الحضارة وأن التاريخ لن يبقى ثابتاً وأن المجتمعات تتغيير وصفة التغيير هي إيجابية بحد ذاتها، وليس كل من ينطق بغير لسانه هو خائن أو عميل، وما من أحد يمتلك شهادات الوطنية والبطولة ويوزعها على الشعب السوري، وأن الاختلاف أساس التكامل، وما من حل أمامه سوى أن يعيد ترتيب أفكاره من جديد، يرمي ما بال منها ويرمم ما يمكن ترميمه ويضع الجديد منها بما يخدم الوطن، ويؤسس لدولة مدنية تتبنى حق المواطنة، فالأجيال القادمة لن تكون إلا حرة وملحدة بالإله القائد.

 (1)http://ar.wikipedia.org/wiki/ نظرية القرود الخمسة
(2)كتاب مقالة الطريقة لديكارت 
(3) فيديو البيضة: قوات من الأمن أو الشبيحة تدعس على متظاهرين وتضربهم وتشتمهم

dimanche 15 mai 2011

خاروف وذئب وحوار

في بلادي، بلاد الواق الواق أو ما أبعد، تفقد الكلمة معانيها كما تفقد الروح البشرية قيمتها، ويصبح الأموات ككل الشباب في بلادي أرقاماً لا أسماء، ولكل منا أرقام غير الرقم الوطني، يحملون رقم بسفارات الدول الأجنبية للهجرة، ورقم بدفاتر البطالة، ورقم بدفاتر التموين ورقماً بجداول الجهل والفقر والجوع، وها هم الآن يحملون أرقاماُ بدفاتر الموت، الموت الذي صار يحصد أجساداً كل ما تحلم به قليل من الفرح في زمن طال فيه الحزن، يقطفهم في عمر الورد ممتصاً رحيقهم قبل ان يفعموا بعبق الأحلام أو ينعموا بسرير من ريح الحب.
في بلادي تشرق الشمس من الروح وتغيب في السجون، تهطل الأمطار من العيون وتروي من بنا يتاجرون، يتغنى بالقمر العشاق والساهرون ويبيعه بالنوادي الليلية من يدعي بأنهم لنا حامون، يستقبل الصبح بفيروزة ويودع بتعاويذ للشر عنا مبعدون، ويتطاير الغيم كالحلم خائفاً من أعين مخبر تقاريره لنا سجانون، يسير الحر كمجرم وكلاب السلطة بعوائهم يتباهون، يخرخر الماء أمام المكرشين ويمنع عن اللذين له محتاجون، يغرد الأمل على الغصن وتقلع الأشجار باسم القانون، يصدح البلبل بصوته بعد أن مل من موائه فيعلق بحبل هم له صانعون، يمشي المساء على الدعاء ويصرح الأبواق بأنهم له خافون، يرقص الخوف على أصوات الرصاص ويقال بأن من يطلقون الرصاص خائنون، تطوف الأنهار بالدماء ويقال بالخير أمطرنا الرجال السلطيون، يسود الظلام في بلادي فهل من جيل قادم أو أتى يمسح الرمد عن العيون.
في بلادي يقاس الإنسان بالقروش وكل متسلق طفيلي يعين على العروش، يغيب نهار ويجئ نهار ولا يختلف الظلم، لا يخف بل يزيد، يلقن الطفل حروفاً كلمات شعارات يتوه عنها من يكتبها وما من يغير شيئاً أو يريد، يساق الجرح إلى القبر من غير شيخ أو مريد، يلام القمح على الخبز والعطار على صونه للوريد.
في بلادي يغار العشب من عيون الزاهد فلا يطالب بالأمطار، يفرش القهر سريره من دون لومة أودليل عار، يقارن الحب بفنجان قهوة يسقى منه الليل والنهار، يهادن المظلوم ظالمه فيقتل قبل طلوع القرار، يزرع الفرح كل يوم فيزهر ورودا من مرار، توزع البسمات على المارة والعامة والجنود والغبار، يشيد مسجد أمامه كنيسة خلفه حديقة يمينه سليم يساره نهر فيحاط بسجان ومخير وتمثال عظيم لسيد القرار، يخوض الجريح معركة الهوية فيسلب الروح ويعود بلا قيمة للديار، يصرخ المريخ أني أراكم فيعدم عالم فضاء بتهمة اتصاله الفكري والحوار.
في بلادي ينبض الجمال وتحاكي الجبال جباه المحال، وتروي يد أم جذور أشجار الخيال، وتنبت قبلة من شفاه سهولاً، وتضيئ شمعة ظلام الليال، ويفيء ظل وردة الناس من الحروب والهروب والقتال، تفوح رائحة الطيبة قبل الغيمة وبعد الغيمة من  النساء والرجال، ويهدر الحلم بالحرية شامخا على بعد ميل وألف ميل بل على آلاف الأميال.

mercredi 4 mai 2011

حقنة لكل مشتهي

جار علي الزمان وانهمكت بمضغ كلام لا يبلع ويحتاج إلى كثير من العلك والاجترار والصبر لكي يندس في المعدة، فذهبت نصف أسناني فداء للأمن والأمان، وكدت أفقد الباقي بسبب عناد صوت الخير الوحيد في العالم على تكرار استغباء الشعب الأبي الصامد في وجه كل كلمة حرية مصدرة من درعا، وحتى رفضهم لهذه الكلمة المصنعة محليا "نخب أول"، وإصرارهم على كلمة "قرد ولا" نخب رابع، ولم يتبقى لي سوى أن أتمرد على خوفي (من طبيب الأسنان فقط) واذهب إليه واثق الخطى، معتز بكل انجازات العروبة المتناثرة على جانبي الطريق المودي إلى ما خشيته دهرا (طيب الأسنان طبعا)، وها أنا اصل إلى الشخص الوحيد القادر على فتح فمي أمامه، وهذا أقصى ما أخشاه، فتح فمي.
ما إن استلقيت على الكرسي المشابه لكرسي الطبيب النفسي وأمرني بفتح فمي، كدت أبوح له بكل ما يجتاح صدري من كآبة وسخط على هدر الدم في الشارع السوري، وأن اقترح عليه أن ينقل للسلطات الآمانية (لأنها لا تحقق إلا ما يتمناه كل مواطن من أمن وأمان وجوع، فالخبز من دون ذاك الشعور بالأمان لا طعم له، والجائع يستطيع أن يلوك خبر بالمايونيز، أو  شعار بالكتشب، أو محبة بالموتارد ليشبع) أن من يريد أن يستشهد عليه الذهاب إلى بنك الدم والاستشهاد هناك لكي نحل أولى مشاكل المجتمع الأبي الصامد، وهي فقرهم للدم أو فقدهم له، وذلك لعدم توفره في معظم أرجاء البلاد، وجل من ألقاه بلا دم أصلا.
 لكنه انتفض في وجهي انتفاضة مخبر كأنه يقرأ أفكاري قائلا: أتريد ضخ دما حرا في شعبنا، أتريد ضخ دم نظيفا خاليا من الخوف، غير قابل لنقل الأدرنالين المخصب على يد أباطرة المخابرات، دم لا تسري فيه انجازات الأمة ورسالتها. وتجهم وجهه غاضباً وسأل ما وجعك؟
هجم الخوف علي هجمة رجل واحد فقلت مرتجفا: سقطت الجبهة الأمامية التقدمية من أسناني، وأود إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن يفوت الأوان، ولم شمل أسناني بمؤتمر حوار وطني.
تفحص الطيب الشرذمة الحاصلة في فمي ونظف بعض الكلمات العالقة بين أسناني والتي تنخر فيه كالسوس، وقال: عليك بإتباع حمية عن المحطات الفضائية والجرائد والصحف القومية، والتوقف عن التفكير، وتصديق كل ما يقوله التلفزيون العربي السوري، والابتعاد عن كل ما هو مستورد، فالدخان الوطني أنظف من الدخان الأجنبي، صحيح أنه طعمه أسوء لكنه أنظف، صحيح أنه يوجع الصدر ويصيبك بالسعال لكنه أنظف، صحيح أنه يستحيل عليك إنهاء سيجارة دفعة واحدة لكنه أنظف، فقلت له أن الدخان الأجنبي هدفه أن يقتلك بعد حين أما الدخان الوطني يقتلك فورا، فأجابني قائلا: لكنه أنظف.
حار ودار واسترسل قائلا: سندعّم بناك التحية ونرفع لك الجسور ونزرع لك بعض مما لا نستطيع تدعيمه ونقلع كل من لمس كلمة حرية و نخره كلام عن الوحدة الوطنية، ونقلع طبعا أسنان العقل، وحتى العقل إذا أردت فما حاجتك له ما دام الكل يفكر ويقرر عنك ويبني لك غدا أفضل يشبه الماضي. وإلى حين تصليح كل هذه الأضرار عليك بالتمضمض يوميا لا بل كل ساعة بالسائل الوطني الذي يوزع مجانا في كل الصيدليات والمقاهي والمطاعم والصحف الوطنية، وأن تفطر كل يوم بيضتان وطنيتان من مدجنة مجلس الشعب، وتتغدى قراران إصلاحيان معلبان من معمل مجلس الوزراء، وتتحلى بالصبر المنتج في حقول المخابرات العامة، وهاك بعض من التحاميل التي تساعدك على حل مشاكل عسر الهضم وتلبك الأمعاء.
خرجت من عند الطبيب خالي الأمراض محصن بحقنة وطنية ضد جميع أنواع البكتريا المنتشرة بالجو، مفعم بالحياة ومستعد لسحق كافة المؤامرات، ولكني وقعت في حفرة فنية نسيت كل العادة أن تغلقها البلدية، يرحمني الله.