dimanche 15 mai 2011

خاروف وذئب وحوار

في بلادي، بلاد الواق الواق أو ما أبعد، تفقد الكلمة معانيها كما تفقد الروح البشرية قيمتها، ويصبح الأموات ككل الشباب في بلادي أرقاماً لا أسماء، ولكل منا أرقام غير الرقم الوطني، يحملون رقم بسفارات الدول الأجنبية للهجرة، ورقم بدفاتر البطالة، ورقم بدفاتر التموين ورقماً بجداول الجهل والفقر والجوع، وها هم الآن يحملون أرقاماُ بدفاتر الموت، الموت الذي صار يحصد أجساداً كل ما تحلم به قليل من الفرح في زمن طال فيه الحزن، يقطفهم في عمر الورد ممتصاً رحيقهم قبل ان يفعموا بعبق الأحلام أو ينعموا بسرير من ريح الحب.
في بلادي تشرق الشمس من الروح وتغيب في السجون، تهطل الأمطار من العيون وتروي من بنا يتاجرون، يتغنى بالقمر العشاق والساهرون ويبيعه بالنوادي الليلية من يدعي بأنهم لنا حامون، يستقبل الصبح بفيروزة ويودع بتعاويذ للشر عنا مبعدون، ويتطاير الغيم كالحلم خائفاً من أعين مخبر تقاريره لنا سجانون، يسير الحر كمجرم وكلاب السلطة بعوائهم يتباهون، يخرخر الماء أمام المكرشين ويمنع عن اللذين له محتاجون، يغرد الأمل على الغصن وتقلع الأشجار باسم القانون، يصدح البلبل بصوته بعد أن مل من موائه فيعلق بحبل هم له صانعون، يمشي المساء على الدعاء ويصرح الأبواق بأنهم له خافون، يرقص الخوف على أصوات الرصاص ويقال بأن من يطلقون الرصاص خائنون، تطوف الأنهار بالدماء ويقال بالخير أمطرنا الرجال السلطيون، يسود الظلام في بلادي فهل من جيل قادم أو أتى يمسح الرمد عن العيون.
في بلادي يقاس الإنسان بالقروش وكل متسلق طفيلي يعين على العروش، يغيب نهار ويجئ نهار ولا يختلف الظلم، لا يخف بل يزيد، يلقن الطفل حروفاً كلمات شعارات يتوه عنها من يكتبها وما من يغير شيئاً أو يريد، يساق الجرح إلى القبر من غير شيخ أو مريد، يلام القمح على الخبز والعطار على صونه للوريد.
في بلادي يغار العشب من عيون الزاهد فلا يطالب بالأمطار، يفرش القهر سريره من دون لومة أودليل عار، يقارن الحب بفنجان قهوة يسقى منه الليل والنهار، يهادن المظلوم ظالمه فيقتل قبل طلوع القرار، يزرع الفرح كل يوم فيزهر ورودا من مرار، توزع البسمات على المارة والعامة والجنود والغبار، يشيد مسجد أمامه كنيسة خلفه حديقة يمينه سليم يساره نهر فيحاط بسجان ومخير وتمثال عظيم لسيد القرار، يخوض الجريح معركة الهوية فيسلب الروح ويعود بلا قيمة للديار، يصرخ المريخ أني أراكم فيعدم عالم فضاء بتهمة اتصاله الفكري والحوار.
في بلادي ينبض الجمال وتحاكي الجبال جباه المحال، وتروي يد أم جذور أشجار الخيال، وتنبت قبلة من شفاه سهولاً، وتضيئ شمعة ظلام الليال، ويفيء ظل وردة الناس من الحروب والهروب والقتال، تفوح رائحة الطيبة قبل الغيمة وبعد الغيمة من  النساء والرجال، ويهدر الحلم بالحرية شامخا على بعد ميل وألف ميل بل على آلاف الأميال.

2 commentaires: