vendredi 27 mai 2011

يغيب نهار ويجيء نهار وتبقى يا وطني صلاة استذكار

أين أنت يا وطني، أين روح العروبة في دمي، أين رياح الحب الدمشقية التي تكلل أسماء القادة الكبرى، أين صلاح دين من ضراوة الألم، أين أنت من عبق البحر المخملي الراقد في الأمد. لا لم أعد أراك يا وطني على يد أم تنحني مقبلة جبهة الأمل، لا ولا في حنين مغترب عن الجوع قارب روجوعه العدم، لا ولا في دمعة المطر على أرض تزهر بغير بلد، لا ولا في طيبة الشيخ الراسخ رسوخ النجمة في علمي.
أين أنت يا وطني، كيف اختطفك الطاغوت واختفى، كيف رسمك من جديد من هو لا يعلم قيمة العلم، يقص قرى من حدودك كما يقص أظفاره الهرم، ينسى خصوبتك في حوران وكيف تستقى الأرض، يبتدع الطريقة المثلى من الري، فينبتك ثورة تتموضع وسام شرف على صدر كل من من ظلمه مدد، وينساق العشاق على الملل ويصير قلبهم قبلهم مركباً جديداً من الحلم باليوم الذي لا يخافوا فيه من الخفر، ولا تمتد فيه يد من قانون على العرض والشرف، ولا يبكي الفرات به على الأرض المخصية من القمح، ويقف الشاب فيه عالي كالرمحِ، رأسه السماء، كتفاه الشهباء ودمشق، عيناه حوران والقدس، أظافره الحق لا تغرس إلا في الظلمِ والفقرِ، أنامله تصنع لنا غداً مشرقاً لا يمسِ، شفاهه الورد الباقي على قبر كل شهيد مال على الرصاص خائفاً أن تقتل الحلم، فاستقبلها استقبال الأبطال في تاريخنا قائلا أين أنت يا وطني.
تراقصُ القتلى هنا عادةٌ، تستجد حين ينبت الحنين في الصدور إلى الوطن، ينظر الطفل يمنة ويسرة ولا يرى وطناً، يمد يده في حتمية العتمة فلا يلامس سوى قبوراً، يجر المستقبل صندوقاً يصعد عليه ليفتح النافذة، فلا ينسل منها إلا نور من ظلام، فيسأل أين أنا، لما ليس لي وطن، ولما اليوم يشبه الغد، لما التاريخ قبورٌ والبطولة قبورٌ في هذه الأرض، وأين قبر جدي الشهيد، فيرتفع صدى الصوت لله ولا من منجيب.  
لحن الرصاص فيك يا وطني سرير يرقد عليه المظلوم مغمض عنياه على الحلم، يشوبه كل مساء قرع الأبواب باليد الخشنى وأصوات النشاذ السارقة لكل أمل، القائلة بصوت أجش:
-       من أنت؟
-       أنا، أنا الوطن
-       الوطن له شارب يهتز له العدم؟
-       وطني، حنون ساعة الأمل، قوي ساعة الغضب، فاحذاري من أملي ومن غضبي
-       لكن الوطن لا يحلم، وما من أفشى أسرارك سوى الحلم؟
-       الوطن كل الأسماء، لا تغب بل تغيب، ولكل اسم حلم يقاس بالفرح والترح.
-       ما من فرح في الأسواق ها هنا، أنت من دس الكلمات في الظُلَمِ؟
-       أنا الوطن لا أستل الكلمات بل أكسر الأقلام التي ترسمني من غير ناس ومن غير علمي
-       أنت الدخيل على الأصوات، أنت المقتول من زمن؟
-       أنا الشجر، أنا الأرض، أنا العصفور يبني عشه على القمر، أنا العاشق السارق لقبلة من العمر، أنا الورد، أنا الحب، أنا الطفل المدمع، أنا الشيخ الوجل، ومن كان وطنا يا ولدي لا يقتل يوما على يد ظالم طال به الأمد، بل يولد كالشمس على الجباه والأيادي على الأرامل والثكالى والشباب واليتامى والألم، أولد مع ولادة كل طفل جديد، مع إشراقة الحب، مع الحنين، مع عبق الخيال المسار للمحال، مع الغياب مع الوجود مع الجبال.
-       طال المقام فيك يا وطن، طال فيك الأمل، وحان وقت الرحيل، ستستحال أبدا، وتخاف السياط، سترقص في الأقبية رقصة العازبات، وتأن أنين الخيال، وتساق للذبح مجددا، ولن يسمع عنك أحد، سترقد في الرقاد، وتكاد تحاكي الرماد.
-       خذني أينما شاء القدر، عذبني عذاب كل شهيد، أبكني دمع كل أم لها ابن فقيد، شذب أظافري تشذيب كل عضو مجلس للشعب لا يريد، حطم، هشم، دمر، اسحق ما تريد من عظام، لكن اعلم أن الوطن لا يموت والغد لا يموت والفرح لا يموت، وأن ما من  مستحيل أو محال، وأن الخيال وجد ليحاكي الحياة، وأن الغياب لا يرقد فيه سوى الطغيان ومهما طال فيه المقام لا بد أن ينجلي أو يقام.

27-05-2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire