mercredi 4 mai 2011

حقنة لكل مشتهي

جار علي الزمان وانهمكت بمضغ كلام لا يبلع ويحتاج إلى كثير من العلك والاجترار والصبر لكي يندس في المعدة، فذهبت نصف أسناني فداء للأمن والأمان، وكدت أفقد الباقي بسبب عناد صوت الخير الوحيد في العالم على تكرار استغباء الشعب الأبي الصامد في وجه كل كلمة حرية مصدرة من درعا، وحتى رفضهم لهذه الكلمة المصنعة محليا "نخب أول"، وإصرارهم على كلمة "قرد ولا" نخب رابع، ولم يتبقى لي سوى أن أتمرد على خوفي (من طبيب الأسنان فقط) واذهب إليه واثق الخطى، معتز بكل انجازات العروبة المتناثرة على جانبي الطريق المودي إلى ما خشيته دهرا (طيب الأسنان طبعا)، وها أنا اصل إلى الشخص الوحيد القادر على فتح فمي أمامه، وهذا أقصى ما أخشاه، فتح فمي.
ما إن استلقيت على الكرسي المشابه لكرسي الطبيب النفسي وأمرني بفتح فمي، كدت أبوح له بكل ما يجتاح صدري من كآبة وسخط على هدر الدم في الشارع السوري، وأن اقترح عليه أن ينقل للسلطات الآمانية (لأنها لا تحقق إلا ما يتمناه كل مواطن من أمن وأمان وجوع، فالخبز من دون ذاك الشعور بالأمان لا طعم له، والجائع يستطيع أن يلوك خبر بالمايونيز، أو  شعار بالكتشب، أو محبة بالموتارد ليشبع) أن من يريد أن يستشهد عليه الذهاب إلى بنك الدم والاستشهاد هناك لكي نحل أولى مشاكل المجتمع الأبي الصامد، وهي فقرهم للدم أو فقدهم له، وذلك لعدم توفره في معظم أرجاء البلاد، وجل من ألقاه بلا دم أصلا.
 لكنه انتفض في وجهي انتفاضة مخبر كأنه يقرأ أفكاري قائلا: أتريد ضخ دما حرا في شعبنا، أتريد ضخ دم نظيفا خاليا من الخوف، غير قابل لنقل الأدرنالين المخصب على يد أباطرة المخابرات، دم لا تسري فيه انجازات الأمة ورسالتها. وتجهم وجهه غاضباً وسأل ما وجعك؟
هجم الخوف علي هجمة رجل واحد فقلت مرتجفا: سقطت الجبهة الأمامية التقدمية من أسناني، وأود إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن يفوت الأوان، ولم شمل أسناني بمؤتمر حوار وطني.
تفحص الطيب الشرذمة الحاصلة في فمي ونظف بعض الكلمات العالقة بين أسناني والتي تنخر فيه كالسوس، وقال: عليك بإتباع حمية عن المحطات الفضائية والجرائد والصحف القومية، والتوقف عن التفكير، وتصديق كل ما يقوله التلفزيون العربي السوري، والابتعاد عن كل ما هو مستورد، فالدخان الوطني أنظف من الدخان الأجنبي، صحيح أنه طعمه أسوء لكنه أنظف، صحيح أنه يوجع الصدر ويصيبك بالسعال لكنه أنظف، صحيح أنه يستحيل عليك إنهاء سيجارة دفعة واحدة لكنه أنظف، فقلت له أن الدخان الأجنبي هدفه أن يقتلك بعد حين أما الدخان الوطني يقتلك فورا، فأجابني قائلا: لكنه أنظف.
حار ودار واسترسل قائلا: سندعّم بناك التحية ونرفع لك الجسور ونزرع لك بعض مما لا نستطيع تدعيمه ونقلع كل من لمس كلمة حرية و نخره كلام عن الوحدة الوطنية، ونقلع طبعا أسنان العقل، وحتى العقل إذا أردت فما حاجتك له ما دام الكل يفكر ويقرر عنك ويبني لك غدا أفضل يشبه الماضي. وإلى حين تصليح كل هذه الأضرار عليك بالتمضمض يوميا لا بل كل ساعة بالسائل الوطني الذي يوزع مجانا في كل الصيدليات والمقاهي والمطاعم والصحف الوطنية، وأن تفطر كل يوم بيضتان وطنيتان من مدجنة مجلس الشعب، وتتغدى قراران إصلاحيان معلبان من معمل مجلس الوزراء، وتتحلى بالصبر المنتج في حقول المخابرات العامة، وهاك بعض من التحاميل التي تساعدك على حل مشاكل عسر الهضم وتلبك الأمعاء.
خرجت من عند الطبيب خالي الأمراض محصن بحقنة وطنية ضد جميع أنواع البكتريا المنتشرة بالجو، مفعم بالحياة ومستعد لسحق كافة المؤامرات، ولكني وقعت في حفرة فنية نسيت كل العادة أن تغلقها البلدية، يرحمني الله.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire